يوم القدس- غزة تحت الإبادة، دعوة لإنهاء الاحتلال ونصرة فلسطين.

المؤلف: حسين أمير عبد اللهيان11.07.2025
يوم القدس- غزة تحت الإبادة، دعوة لإنهاء الاحتلال ونصرة فلسطين.

نستقبل يوم القدس العالمي هذا العام، بينما يشهد العالم أجمع فصولًا مروعة من الإبادة الجماعية، تُعد من بين الأفظع في تاريخ الإنسانية جمعاء.

إن الفاجعة الإنسانية العميقة التي ألمّت بفلسطين، وبخاصة في قطاع غزة المحاصر، خلال الأشهر الستة المنصرمة، تمثل شاهدًا مؤلمًا على الاستهتار الفاضح بحقوق الشعب الفلسطيني، الذي طالما قاوم الظلم ببسالة، كما تكشف عن خرق سافر للقوانين الدولية المعمول بها في الأراضي المحتلة، واستخدام القوة المفرطة دون رادع، وارتكاب جرائم بشعة بكل المقاييس الدولية ضد أصحاب الأرض الأصليين، وذلك على يد الكيان الإسرائيلي المؤقت والفاقد للشرعية.

في هذه الأيام العصيبة، لا يقتصر الأمر على استشهاد الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء على أيدي هؤلاء المجرمين، بل إن المستشفيات، والمراكز الطبية والإغاثية، والمساجد والكنائس كذلك لم تسلم من بطش وإجرام سلطات وجنود هذا الكيان المصطنع المتجرد من الإنسانية.

ومما لا يرقى إليه الشك، فإن ممارسات الصهاينة تمثل انتهاكًا صارخًا لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، وتجسيدًا فظيعًا لمجموعة متراكمة من الجرائم النكراء ضد الإنسانية، بما في ذلك الإبادة الجماعية، والفصل العنصري البغيض، والتطهير العرقي الممنهج.

إن استمرار جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب بكافة أشكالها وأنواعها في قطاع غزة المنكوب، واستشهاد ما يربو على 33 ألف فلسطيني، معظمهم الساحق من النساء والأطفال الأبرياء، خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، بالإضافة إلى منع الكيان الإسرائيلي المصطنع لوصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والمواد الغذائية الضرورية إلى قطاع غزة بأكمله، وتعمد تجويع سكان غزة المحاصرين، بهدف استكمال مخطط الإبادة الجماعية بحق النساء والأطفال وتهجير سكان القطاع قسرًا وعنوة إلى صحراء سيناء المصرية والأراضي الأردنية، كل ذلك قد دق ناقوس الخطر، محذرًا من كارثة إنسانية غير مسبوقة في هذا القرن الحافل بالأزمات.

الأهداف الخطيرة للكيان

اليوم، بات جليًا وواضحًا أن من بين الأهداف الخبيثة للكيان الإسرائيلي، فرض حصار خانق ومطبق على قطاع غزة، ومنع إيصال المساعدات الإنسانية الفورية والكافية، وتهيئة الظروف لحدوث انهيار اجتماعي ومدني شامل، والقضاء على جميع معالم الحياة وتدمير الهوية الفلسطينية التاريخية والحضارية العريقة. إن محاولة التهجير القسري لسكان قطاع غزة هي برهان قاطع على السياسة الدنيئة التي يتبعها الكيان الصهيوني المجرم في الإهلاك المتعمد للشعب الفلسطيني واستئصال الهوية الفلسطينية الأصيلة.

لذا، فمن الضروري اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن تنظر الأوساط الدولية، ومجلس الأمن الأممي، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، بعين فاحصة ومدققة في العناصر المكونة للإبادة الجماعية والقتل الجماعي اللذين يرتكبهما الكيان الصهيوني بدم بارد في قطاع غزة، بغية اتخاذ إجراءات رادعة وعقابية فعالة وحاسمة في هذا الصدد.

بالإضافة إلى ذلك، وكإجراء عاجل وفوري، من الضروري إعادة فتح معبر رفح وغيره من المعابر الإنسانية بشكل كامل وسريع، وبمساعدة الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمجتمع الدولي بأسره، من أجل توفير الظروف المناسبة لعودة اللاجئين وإنقاذ حياة النساء والأطفال وسكان غزة المحاصرين.

على مستوى الأوساط الدولية، أجرينا عبر تواصل مستمر ومكثف مع الأمين العام للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، محادثات مستفيضة وواسعة النطاق بشأن التعاون الوثيق في المجال الإنساني. وفي جميع هذه المحادثات، وكذلك المشاورات مع الدول الإسلامية الشقيقة، تم التأكيد بشكل قاطع وجدي على أولوية تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة بالتزامن مع وقف إطلاق النار ووضع حد للحرب الدائرة. ورغم اتخاذ الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خطوات مهمة وجادة في هذا الصدد، إلا أن هذه المساعي الإنسانية النبيلة لم تسفر عن النتائج المرجوة؛ بسبب التواطؤ السافر من جانب البيت الأبيض، وبعض الدول الغربية النافذة، مع الكيان الإسرائيلي.

إنه لمن دواعي الأسف البالغ، أنه على الرغم من مرور حوالي ستة أشهر على الهجمات الوحشية التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، فإننا لا نزال نشهد تقاعسًا مزمنًا ومخزيًا من المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الذي تتمثل مهمته الأساسية في ضمان السلام والأمن الدوليين.

ومن الواضح بجلاء أن الولايات المتحدة الأمريكية هي طرف رئيسي وشريك أساسي في استمرار الحرب، وعرقلة جميع الجهود المبذولة لوقفها وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.

إرادة قوية وايمان راسخ

من جهة أخرى، كان المأمول من منظمة التعاون الإسلامي أن تضطلع بدورها الرادع والحاسم في وقف الحرب، من خلال توظيف مختلف قدراتها السياسية والاقتصادية وأدوات الضغط المتاحة لديها، ولكن على الرغم من عقد اجتماعات مختلفة ومتعددة، لم تقم هذه المنظمة حتى الآن بالدور الفاعل والمنتظر منها.

إننا نأمل أن يتم خلال الأيام المتبقية من شهر رمضان المبارك، وبجهود حثيثة ومخلصة من الدول الإسلامية، وفي ظل تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته عمليًا، اتخاذ إجراءات جادة وفعالة لإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة وإنقاذ سكان غزة المضطهدين من شبح المجاعة. كما نأمل أن تتبلور ببركة هذا الشهر الفضيل الوحدة والتماسك الإقليمي والإسلامي والدولي، وتتضافر الجهود العالمية؛ لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم بشكل أكثر فاعلية وتأثيرًا من أي وقت مضى، وأن تُتخَذ إجراءات إقليمية ودولية جادة وفعّالة ورادعة؛ لإنهاء وحشية كيان الفصل العنصري الصهيوني الإرهابي ضد الشعب الفلسطيني المظلوم.

ولا شك في أنه على الرغم من الظروف الإنسانية المؤلمة وحالة الحرب السائدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن الشعب الفلسطيني المسلم وسكان قطاع غزة والضفة الغربية يقفون صامدين بإرادة قوية وإيمان راسخ؛ دفاعًا عن وطنهم وحقوقهم الطبيعية المعترف بها دوليًا، ويواصلون المقاومة الباسلة ضد كيان الاحتلال المجرم بكل عزيمة وثبات.

إن العالم بأسره يكتنفه اليوم الحزن العميق والأسى البالغ على ما حلّ بفلسطين وبشعبها المظلوم والقوي، الذي تعكس ظروفه المأساوية معاناة الإنسانية جمعاء وآلام أحرار العالم في أبهى صورها.

وإننا على ثقة تامة بأنه في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، فإن جميع شعوب العالم المحبة للحرية والسلام تطالب بتهيئة الأسس اللازمة من قبل المجتمع الدولي، وخاصةً الأمم المتحدة والدول الإسلامية، لاتخاذ خطوات عملية ملموسة نحو تحقيق سلام دائم وعادل، واستيفاء كامل حقوق الفلسطينيين المنتهكة، وإنهاء الجرائم الفظيعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة والضفة الغربية.

إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إيمانًا منها الراسخ بضرورة استيفاء حقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة، وإنهاء أوسع وأبشع احتلال في هذا القرن الحافل بالصراعات، وقفت شامخة بفخر واعتزاز إلى جانب الشعب الفلسطيني المناضل طيلة العقود الماضية.

وإذ تؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الأهمية القصوى للقضية الفلسطينية، باعتبارها القضية الأولى للعالم الإسلامي بأسره، وضرورة اعتبار المجتمع الدولي الاحتلالَ البغيض هو الجذر الحقيقي والأساسي للأزمة المستفحلة في منطقة غرب آسيا، وأن الكيان الصهيوني هو أهم سبب لانعدام الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها، فإنها تؤمن إيمانًا قاطعًا بضرورة إيجاد حل جذري لهذه الأزمة التاريخية المزمنة التي شكلت جرحًا عميقًا غائرًا في جسد وضمير البشرية والعالم الإسلامي.

مبادرة الإمام الخميني

إن يوم القدس العالمي، الذي أطلق بمبادرة مباركة من الإمام الخميني (رحمة الله عليه) مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بهدف استقطاب اهتمام العالم أجمع بشكل مسؤول وجاد إلى القضية الفلسطينية العادلة، ليس فقط فرصة سانحة لإعلان التضامن العالمي الواسع مع الشعب الفلسطيني المظلوم، والتعبير عن الاشمئزاز العميق والرفض القاطع للكيان الصهيوني الغاصب وإدانة داعمي هذا الكيان المصطنع المجرم، بل يمثل أيضًا فرصة عظيمة للتطرق إلى الجذور الحقيقية للأزمة الفلسطينية القديمة والمؤلمة.

وبينما أتت عملية "طوفان الأقصى" المباركة كرد فعل طبيعي ومشروع من الشعب الفلسطيني على أنواع الجرائم المرتكبة بحقه والانتهاكات الصارخة لحقوقه الطبيعية المشروعة وقتل وقمع أبنائه الأبرياء والإساءة للقدس الشريف والمقدسات الإسلامية، يسعى كيان الاحتلال الصهيوني وداعموه المعروفون من خلال التركيز المتعمد على هذه العملية، إلى اتهام المقاومة والشعب الفلسطيني بأنهم من بدؤوا الحرب الحالية على غزة، ويحاول هؤلاء بطريقة خرقاء ومفضوحة صرف انتباه الرأي العام العالمي عن الحقيقة الساطعة والجذور الحقيقية للأزمة الفلسطينية، وذلك في حين أن الجذر الحقيقي للأزمة يكمن في 75 عامًا من الاحتلال الغاشم لأرض فلسطين من قبل كيان مصطنع بلا جذور، وانتهاك الحقوق الأساسية والطبيعية والشرعية لشعب أصيل ضارب بجذوره في أعماق التاريخ.

وما لم يتم إيلاء اهتمام حقيقي وجاد للجذر الرئيسي للأزمة، واتخاذ إجراءات مسؤولة وحاسمة لمعالجته، فلن يتحقق السلام والأمن المستديمان في المنطقة والعالم أبدًا.

إذن، يوم القدس العالمي هو فرصة ذهبية للتفكير العميق في إيجاد حل حقيقي ومسؤول ومستدام لهذه القضية.

إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع تأكيدها المطلق على الحق الطبيعي، والأصيل، والثابت للشعب الفلسطيني في المقاومة المشروعة ضد الاحتلال والاضطهاد، قامت في خطوة مسؤولة ومدروسة بطرح مبادرة ديمقراطية عادلة للقضية الفلسطينية وتسجيلها رسميًا لدى الأمم المتحدة، اعتقادًا منها الراسخ بأن إجراء استفتاء حر ونزيه تحت إشراف الأمم المتحدة بين سكان فلسطين الأصليين، من مسيحيين ومسلمين ويهود، من شأنه أن ينهي الأزمة الأقدم والأكثر إيلامًا في المنطقة والعالم على مدار قرن كامل من المعاناة والظلم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة